يُعد دير القديس العظيم الأنبا أنطونيوس الأقدم في تاريخ البشرية، حيث أسسه مؤسس الرهبنة، الأنبا أنطونيوس الكبير، ليُصبح بذلك مَهْد الرهبنة القبطية الأرثوذكسية وفي العالم أجمع. موقع الدير: يقع الدير في سلاسل جبال الجلاله القبلي، عند سفح جبل القلزم، مُقابل محافظة بني سويف، في أسفل رابية عالية. ويبلغ ارتفاع موقعه 410 متراً تقريباً عن سطح البحر. ومقابل هذة السلاسل توجد سلاسل جبال القلاله البحرية، وبينهما ينحصر وادي عربة حيث يقع الدير. وقد سُميت سلاسل جبال البحر الأحمر بجبال القلاله، نسبة إلى القلالي – قلالي الرهبان – التي كانت تزدحم بها هذه الجبال، بعضها من القرن الخامس عشر والبعض الآخر من القرن الثامن عشر، وبمرور الوقت تمَّ تحريف الكلمة لتُصبح جبال الجلاله. نحو نهاية القرن الثالث الميلادي، كان هذا المكان مايزال صحراء قاحلة، قبل أن يختاره القديس الأنبا أنطونيوس بترتيب إلهي، مُبدَع، ليسكن فيه. وأحبَّ أنطونيوس المكان واستصلح أراضيه وزرعها. ثم تبعه تلاميذه، متوحّدوا برية الميمون، فاذ كان هو قد استلم شكل الرهبنة من الملاك، سلَّمه لهم، فصاروا رهباناً، وصارت الصحراء ديراً، وتحَوّل صمتُها إلى ترنيمة حُبٍّ هادئةٍ، عزفتها قلوب هذه الجماعة، التي كان ومازال عملها هو عبادة الله. منذُ أن وطأت أقدام القديس أنطونيوس هذا المكان الطاهر وهو عامر بالرهبان، لكنه تعرّض لهجوم الفُرس سنة 610 م، وتعرّض لنهب البدو في منتصف القرن الثامن، ونحو مطلع القرن الحادي عشر تعرّض الدير للدمار واستشهاد الرهبان. وبالرغم من كل ذلك لم تنقطع منه الرهبنة، إلا في أواخر القرن الخامس عشر، حيث كان بعض البدو يعيشون في الدير لخدمة الرهبان، فقاموا بتدمير الدير ومكتبته العظيمة، وأحرقوا كل المخطوطات الموجودة بالمكتبة. وظل الدير على حال الخراب هذا، خالياً من الرهبان نحو 65 سنة. وفي أول أكتوبر سنة 1525م، رُسم الراهب رافائيل السرياني بطريركاً بإسم البابا غبريال السابع، وهو الخامس والتسعون من بطاركة الإسكندرية. وقد أراد هذا الأب الجليل تعمير الدير، فأرسل عشرين راهباً من دير السريان إلى دير القديس الأنبا أنطونيوس، بعد أن زوّدهم بالكتب، وأواني المذبح، وكل ما يلزم لتعمير الدير. ولما تنيح هذا البطريرك العظيم، قام رهبان الدير بتسجيل خبر نياحته على جُدران الكنيسة الآثرية، لمحبّتهم له ووفائهم لمحبتّه. وفي أواخر القرن الثامن عشر شهد الدير تعميراً كبيراً، ففي عام 1766م قام حسب الله البياضي بإعادة بناء كنيسة الأنبا مرقس الأنطوني، وفي 1772م أعاد المُعلم لطف الله شاكر بناء كنيسة الرسل، وفي 1783م قام المُعلم إبراهيم الجوهري بترميم الأسوار، وتوسيع الدير، وتشييد السوريين الغربي والقبلي والساقية مع السور البحري. وفي القرن التاسع عشر قام البابا كيرلس الرابع أبي الإصلاح بعمل توسُّعات كبيرة، استمرت من عام 1852 حتى 1858م، فبنى بقية السور والبوابة الاثرية، ولم تكن تُفتح للزائرين، تأميناً للدير من هجمات البدو، بل كانت تُفتح فقط مرتين في العام لإستقبال القافلة التي كانت تُحضر احتياجات الدير المعيشية، كما كانت تُفتح أيضاً عند زيارة قداسة البابا. وبنى مبنى المكتبة الحالي وصفين من القلالي، وضم للدير مساحات كبيرة من الأراضي. وفي عام 1991م تمّت سيامة نيافة الأنبا يسطس أسقفاً ورئيساً للدير، الذي حمل مشعل التعمير فاتسعت مساحة الدير وزاد عدد الكنائس وبُنيت القلالي وكثر عدد الرهبان، وامتدَّت الأسوار لتضم بداخلها كل مباني الدير. وفي عام 2003م قام قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث - السابع عشر بعد المائة من بطاركة الكرازة المرقسية - بزيارة الدير، وتدشين مذابح الكنيسة الاثرية، وسيامة رهبان وكهنة.
نشأة الدير تم بناء الدير بعد وقت قصير من رحيل القديس أنطونيوس من قبل تلاميذه 20 على الأرجح، تم بناؤه في عهد الإمبراطور يوليان المرتد بين 361 و 363م. 2 ولد القديس أنطونيوس في 251م في قرية (قمن العروس) على بعد 75 كم جنوب القاهرة الحديثة 22 و بحسب القديس أثناسيوس، فقد بدأ القديس أنطونيوس حياته التقديرية بالقرب من قريته، 23 وحوالي عام 285 . ، 24 دخل الجبل الخارجي 2 يذكر القديس أثناسيوس أن القديس أنطونيوس عاش في قلعة
مصر
م
مهجورة لمدة عشرين عامًا 26 حوالي عام 313م، 27 انتقل مع بعض البدو الرحالة إلى الجبال في الصحراء الداخلية مطيعيا صوتًا إلهيًّا. 28 قضى بقية حياته بين الجبل في كولزيم وبيسبير، وفي عام 356م مات في كولزيم. تذكر السيرة العربية للقديس أنطونيوس، المنسوبة إلى سرابيون الأسقف أنه ترك الجبل الخارجي بناء على نصيحة امرأة كانت تستحم في النهر بعد توبيخها 30 يذكر القديس أثناسيوس أنه قبل وفاته أمر القديس أنطونيوس تلاميذه ألا يأخذوا جسده إلى بل أن يدفنوه . وه هناك في الأرض. البعد وفاته، بدأ الرهبان في بناء دير هو أقدم مستوطنة رهبانية. 2 يعتبر أول مجتمع رهباني مع زعيم .رهباني. 33 كان لدير القديس أنطونيوس دورًا لاهوتيا حاسما طوال الوقت. بحلول أواخر القرن الرابع عشر، قام الحكام العرب والمماليك بعملية وحشية لإجبار الأقباط على أن يكونوا مسلمين. ساعد الرهبان والبطاركة الذين كانوا سابقًا رهبان دير القديس أنطونيوس في تشكيل ردود أفعال الكنيسة على عمليات الأسلمة علاوة على ذلك، لعب الدير دورا حاسما لفترة طويلة أبان الدفاع عن الأرثوذكسية Miaphysite ضد الطوائف المسيحية بحلول زمن البابا كيرلس الثالت ابن لقلق (1235-1242م)، ساعد الدير أيضًا في تجسيد